إن المرحلة التي نعيشها الآن ما هي إلا تربية بالحدث، وعلى ذلك فهي مصفاة اصطفاء وغربال تمحيص.
فإن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلوُّن ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره.. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تُبنى المبادئ وتتربَّى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً.
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قادة الإصلاح ودعاته فيه؛ فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جوٍّ من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (يونس: 36).
هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).
أخي الحبيب.. اطمئن..
لا خوف على دعوة سقيت بدماء شهداء..
إن الدعوة محفوظة بإذن الله؛ لأن كلماتها اقتاتت قلوب قادتها.. كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان.. أما الكلمات التي ولدت في الأفواه.. وقذفت بها الألسنة.. ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي.. فقد ولدت ميتة.. وإن أحدًا لن يتبناها؛ لأنها وُلدت ميتة.. والناس لا يتبنون الأموات..!!.
أخي الحبيب.. اطمئن..
إن هناك فتحًا مبينًا، ونصرًا قريبًا، وفرجًا بعد شدة، ويسرًا بعد عسر.. إن هناك لطفًا خفيًّا من بين يديك ومن خلفك، وهناك أملاً مشرقًا ومستقبلاً حافلاً ووعدًا صادقًا.. (وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ).
أخي الحبيب.. اطمئن.. آن أن تقشع عنك وساوس الظلام بوجه الفجر الصادق، ومرارة الفتن بنور يلقف ما يأفكون.
اطمئن.. فإنك تتعامل مع غالب على أمره، لطيف بعباده، رحيم بخلقه.. حسن الصنع في تدبيره.
اطمئن.. فإن العواقب حسنة، والنتائج مريحة، والخاتمة كريمة.. (لا تدري لَعَل اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذِلَكَ اَمْرًا)