إنَّ القذّافي حين تسلّم السّلطة، كان يحمل استعدادًا للتّواضع، ويحاول تقليد الراحل جمال عبد الناصر في كثير من خطواته. يذكّرني بسائر من عرفت من الحكّام الذين يبدؤون حياتهم -خاصّة العسكريّون منهم- وأحدهم أشد ما يكون رقّة طبع وتعاطفًا مع شعبه. فلا تمضي أسابيع أو شهور حتى يحيط بكل من هؤلاء انتهازيون شياطين، احترفوا أن يكونوا حاشية، وأن يعيشوا على هامش حياة هؤلاء، ليجعلوا منهم -بعد حين- طغاة مستكبرين يتعالون على شعوبهم ويحتقرونهم ويدوسون عليهم وعلى مصالحهم. ثم لا يلبث أن يجعلهم مديح الانتهازيين أصنامًا، ترى نفسها ملهمة فاهمة فاقهة لكل شيء، قادرة على كل شيء. ومن هنا يبدأ الاستبداد. إنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل الدرك الأسفل من النار مقرًّا للمنافقين وموئلاً لهم.وهؤلاء الانتهازيون الذين يحيطون بالحكام و يزيّنون لهم السوء ويقبّحون في أعينهم الحسن _ منافقون جدد، بل هم أتعس أنواع المنافقين.لكي لا يتكرّر القذافي أو صدام حسين أو ابن علي أو سواهم، لا بد من تغيير الشعوب وتغيير الإنسان المنتمي لهذه الشعوب؛ ليكون العبد الذي يوجه وجهه لله وحده، ويحصر ثناءه وعبادته وتعظيمه وحمده فيه تبارك وتعالى، بدون ذلك فقد يتكرّر الطغاة بأسماء جديدة وأشكال جديدة، ولن تحول دون ذلك النّظم السياسيَّة. ولن تستطيع الديمقراطيَّة أن تقدّم من الضمانات للشعوب ما يحول بينها وبين هيمنة هؤلاء. إنَّ تغيير الإنسان هو الطريق الوحيد الذي يمكن لشعوبنا أن تتحرّر به. أمَّا مقتل طاغية وهزيمة مستبد وانهيار نظام دكتاتور فهي من قبيل عمليات جراحيَّة، لا تستطيع أن تستأصل المرض من جذوره؛ لأنَّ استئصاله يحتاج إلى إرساء دعائم التوحيد الخالص في قلوب مؤمنة نقيَّة طاهرة، وإلى إرساء النّظام التربوي التعليمي المتين المنطلق من التصوّر القرآني للإنسان والكون والحياة. فيا شعوبنا أجيبي داعي الله ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون.