الكاتب الانجليزي المشهور يوهان هاريى يكتب مقال فى الاندبندنت يعتذر فيه للعالم ويعترف فيها بخيانته للمهنه الصحافه .. المقالة تقدم لنا درسا بليغا للغاية في أصول المهنة، التى تآكلت تقاليدها فى ليبيا لأن ما أصابها كان جزءا من «تسونامي» الانهيارات الذي ضرب المهن الأخرى في ظل سنوات القمع والفساد التي مرت بها البلاد.
مضمون المقالة كان أكثر إثارة من عنوانها، ذلك أنه سجل بعض الاعترافات التي أقر الكاتب فيها بأنه لم يكن وفيا تماما لآداب وأخلاقيات المهنة. فقد أجرى تعديلات على أجوبة أناس أجرى معهم مقابلات. حين وجد أن ردودهم ليست واضحة. بما يعني أنه وضع على ألسنتهم إضافات من عنده، أو استعان بإجابات لهم في أخرى أفضل من تلك التي سمعها منهم. الأمر الذي يعني أنه تخلى عن الصرامة المهنية التي تفرض عليه ألا يتدخل في إجابات مصادره وينقلها كما هي دون أية إضافة.
كما أنه دخل موقع «ويكيبيديا» على الإنترنت وأجرى تعديلات فيما نشره عنه متعلقا بسيرته وعمله في الصحافة
كما ألغى انتقادات وجهت إليه. واستهوته العملية فسعى إلى مجاملة أصدقاء له من زملائه وزميلاته حيث أجرى تعديلات فيما نشره الموقع عنهم.
لم يكتف يوهان هاري بهذه الاعترافات، ولكنه عزم على أن يكفر عن «ذنوبه» ويعاقب نفسه. فقرر أن يعيد جائزة «جورج أورويل» التي سبق أن فاز بها تقديرا لعمله الصحفي الذي تفوق فيه.
كما أنه قرر أن يحصل على إجازة غير مدفوعة الأجر حتى نهاية العام المقبل من صحيفة الإندبندنت، سوف يقضيها في الانضمام إلى برنامج تدريب على الصحافة حسب أصولها.
وحين يعود إلى عمله بعد ذلك فإنه سيضم إلى كل مقابلة يجريها هوامش تظهر المصادر التي اعتمد عليها. مع إضافة تسجيل كل مقابلة إلى الموقع الإلكتروني للجريدة.
هذا الذي فعله صاحبنا، شيء لا يكاد يصدق في عالم الصحافة، بل شيء نادر في الصحافة الغربية ذاتها.
ذلك أننا نعرف أن صحيفة نيويورك تايمز اعتذرت لقرائها عن المعلومات غير الدقيقة والمنحازة التي نشرتها أثناء الغزو الأمريكي للعراق.
ونعرف أيضا أن صحيفة واشنطن بوست لا تنشر خبرا إلا إذا أكده قبل النشر مصدران كل منهما مستقل عن الآخر.
أما الذي أقدم عليه يوهان هاري فهو خطوة غير مسبوقة، لكنه يقدم لنا نموذجا لمحاولة التطهر المهني لا أعرف لها مثيلا،
إضافة إلى أنها تبدو وكأنها ضوء بعيد في الأفق بيننا وبينه بعد السماء عن الأرض، خصوصا إذا ما قارنا ذلك النموذج بالواقع الذي نطالعه كل صباح،