بسم الله الرحمن الرحيم
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل إحياء عند ربهم يرزقون"
صدق الله العظيم
تمر الشهور تلو الشهور،والأيام تعقبها الأيام، وينجلي ليل ويطلع نهار، ومازالت ذكرى الثوار المجاهدين الليبيين خالدة في الأذهان، تشعّ النور في القلوب والعقول، وتضيء الطريق المستقيم للسائرين على طريق ربّ العالمين في اللوح المحفوظ، ورفع ذكرهم في الدنيا والآخرة.
تعتبر شخصية مثل الثائر المجاهد الشهيد خميس النوري الكاسح"القبيشي" لتبعت في النفس رهبة،وتشعل في القلب جذوة الإيمان,فمند ميلاده حتى وفاته وهو صاحب حق، يدافع عنه في كل مكان، فقد ظل لسانه وأفكاره التحررية مشهورة دائما على أعداء الله والحرية، فامتلك سلاح الكلمة، وسلاح الحكمة، وسلاح الساعد.
أُوْذِيَ الشهيد خميس الكاسح كثيراً فصبر واحتسب، وتعب كثيراً فحمد وشكر. لقد حفرت شخصية الشهيد خميس الكاسح مكانة لها بمداد من نور في ذاكرة التاريخ، فلم يكن واحداً وُلِدَ ثم مات فحسب،بل امتلك شخصية أثّرت وتأثرت بمحيط ليبيا عموماً، وبمسلاته التي ولد بها خصوصاً، فقد تولدت لديه مشاعر وأحاسيس الثائر الذي ينشد الحرية والعدالة الوطنية المسلوبة. ترك استشهاد خميس بتاريخ 3/8/2011م أثراً قوياً على معنويات الثوار وكتائب القذافي على السواء، فقد انشغل الثوار بموت قائدهم، وعلى النقيض فقد استقوت كتائب القذافي بعد استشهاده وقاموا بأكبر عملية إرهاب وسجن وقتل بحق السكان المدنيين العزل بمدينة مسلاته.
إن الخسارة لكبيرة وإن العزاء بفقده لعظيم، فلقد اجتمعت الجموع بتاريخ: 4/8/2011م، من أهالي مدينة مسلاته لتودع هذا البطل المغوار.
مات الشهيد غير إن مقومات التربية والنشأة هي التي أهّلته ليبيع النفس ويترك المال والولد، ويشتري رضا الرحمن, فمن يكون هو خميس؟
والده هو النوري الكاسح ( القبيشي ) رجل بسيط فلاّح من سكان مدينة مسلاته، من قبيلة السوادنية المجاهدة، سليل أسرة عريقة قارعت الاحتلال الإيطالي فترات الاستعمار.
وُلد خميس في مسلاته عام 1966 م تحصل على الشهادة الثانوية العامة ( قسم علمي ) من مدرسة: عثمان القيزاني الثانوية سنة 1984م.
عرفت الشهيد منذ دراستنا في المرحلة الثانوية، فكان من الطلبة المتميزين، عُرف عنه القوّة الجسدية، وطيب المعاشرة وحسن الخلق، وكان أمله أن يدرس في كلية الهندسة، ولكن نظام القذافي أبى إلا أن يفرض عليه الدراسة في كلية الشعب المسلح العسكرية بمدينة طرابلس، والتي تخرج منها سنة 1986م برتبة ملازم ثاني، فتبخرت كل أحلامه في أن يصبح مهندساً، واستمر في العمل العسكري مخلصاً في عمله، حتى عام2007 م، حيث قدّم استقالته من الخدمة العسكرية بعد أن ضاق به العمل في هدا المجال، وزاول مهنة التجارة وفتح محلاً تجاري لمواد التنظيف بمدينة مسلاته، بمحلة البواعيش بمحلات حسين توسة فكانت تحركاته مقتصرة بين المحل والبيت والمسجد، حتى اندلعت ثورة 17 فبراير المجيدة ضد نظام القذافي بمدينة بنغازي.
كان الشهيد من أوائل من خرجوا في مدينة مسلاته، وذلك يوم 20/فبراير/2011م، فقام مع ثوار المدينة بالتظاهر وإعلان الجهاد ضد نظام القذافي الذي استباح القتل والاغتصاب والتدمير في مدينة بنغازي مرددين شعارات مثل " يا بنغازي علينا لا ما تهوني... "،" يا قذافي يا جبان....مسلاته في الميدان " وقاموا برفع راية الاستقلال بالمدينة،والسيطرة عليها وتحريرها بالكامل من نظام القذافي لمدة تجاوزت خمسة أيام،وبتاريخ: 25 فبراير دخلت كتائب الطاغية إلي المدينة وبمساعدة أزلام القذافي _ ومنهم من هو كان زميل للشهيد _ وقامت بقمع الموطنين العزل وانتشرت بأسلحتها المدججة في كل مكان من المدينة، وبدأت بالقبض على كل من يتظاهر حتى بلغ عدد المقبوض عليهم أكثر من ثلاثمئة شخص دون تفريق بين طفل أو شاب, أو مسن، وأصبح المجاهد الشهيد خميس من ضمن المطلوبين لدى كتائب القذافي، فخرج من مدينة مسلاته إلى الجبال والشعاب فانظم إلى الثوار بمدينة مصراته المجاهدة للقتال إلى جانبهم، وتم اختياره ليكون قائداً ميداني في مدينة مسلاتة وبدأ سعيه في توفير السلاح والعتاد وتدريب الشباب، حتى تاريخ: 3/8/2011م، حين قام الشهيد بتنظيم عملية للهجوم على كتائب القذافي المتمركزة بمعهد الكهرباء الذي اتخذته كموقع لعماليتهم العسكرية في المدينة، ودارت معارك شرسة بينهم، وأسفرت المعارك عن تحرير وسط مدينة مسلاته، واستشهاد القائد الثائر المجاهد خميس النوري الكاسح"القبيشي" وطار بقلب مشتاق إلى رحاب الشهداء، وزف في عرس السماء مع الشهداء الميامين إلى الجنات بعد أن نال الشهادة في سبيل الله.
هذا غيض من فيض من سيرة الثائر المجاهد خميس النوري الكاسح، الذي مهما قلنا فيه فلن نوفيه حقه، فقد كان رحمه الله يتصف بصفات قلّما تجتمع لمثله كالشجاعة، والصبر، والعزيمة، والإيثار، والتواضع، والزهد، وغيرها من الصفات التي يجب إن نغرسها في أبنائنا، وان نربيهم عليها، وان ندرس لهم مثل هذه الشخصيات التي خلد التاريخ ذكرها بمدد من نور في صفات الثوار الأبطال المجاهدين.
إن أبناءنا وأبناء الأجيال القادمة تحتاج لمعرفة سير هؤلاء الشهداء الأبطال، ليسيروا على نهجهم، وإن واجبنا هو تعليمهم هذه السير، وان نغرس في روعهم حب الوطن والحرية، حتى يحي وطننا في عزة وإباء وكبرياء وشموخ, و ينبذوا عنهم الخنوع والخوف والخيانة والتبعية للأنظمة الدكتاتورية المستبدة، ولتبقى ليبيا حرة أبية.
والمجد لشعبنا البطل والجنة والخلود لشهدائنا الميامين الأبطال، والخزي والعار للسفلة والجبناء.
إعداد : د. نصر الدين بشير العربي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر. جامعة المرقب
بتاريخ: 8 / 8 / 2011