فطر الانسان على التمدن وحب الاجتماع، وأنه لا بد لاستمرار حياته واستقرار معيشته بأمن وسلام من وضع قانون ودستور ينظم علاقته مع الآخرين ويحفظ حقوقه ويؤمن له الحماية من المستغلين .
فدأب منذ يومه الأول على وضع قوانين كانت سمتها الأولى أنها لا تتسم بالكمال ولا تلبي الحاجات وتتحكم فيها في كثير من الأحيان المصالح الشخصية التي تسعى الى امتلاك المجتمع والسيطرة عليه، فطرأ عليها التغيير والتبديل إلى أن جاءت الشرائع من السماء لتسد تلك الحاجة الملحة وتنظم عبر شرائعها مسيرة الإنسان اللامتناهية بالنسبة الى كافة المجالات الفردية والإجتماعية والدينية.
ومن أهم هذه الشرائع وأكملها وأوسعها أحكاما الشريعة الإسلامية حتى أنها لم تترك شيئا إلا وسنت له حكما واضحا، حاملة في طياتها أفضل النظم الحياتية والتعاليم الأخلاقية وأنجع القوانين الجنائية، ولو عمل الناس بها بصدق والتزام لعمّ الخير وانمحت معالم الشر ولعاش المجتمع بأفضل الحالات.
ولكن الناس مع التزامهم بالإسلام والإعتقاد به اعتمدوا على القوانين الوضعية وتعاليمها الظالمة ونظموا عبرها شؤون حياتهم وقواعد تعاملهم مع الآخرين، كل ذلك كان بفضل جهود الإستعمار المضنية الذي عمل منذ أن دخل الى بلادنا على محاربة الإسلام وهدم أركانه حيث أشاع أفكارا تؤدي الى اضمحلال تعاليمه، كفصل الدين عن السياسة وأن الدين في المسجد وأنه اعتقاد في النفس يؤدي الى علاقة بين الإنسان وربه بغض النظر عن المجتمع وقيادته وقوانينه.
وبهذا تمت مآرب الإستعمار حيث أراد أن يتحكم بمفاصل الحياة وبمواد المسلمين، لأنه رأى أن الإسلام إذا بقي حيا فهو يشكل ثورة مستمرة ونهضة متجددة على الظالمين والمستعمرين الذين يريدون نهب الخيرات والتسلط على المجتمع وقيادته، فعملوا على تكريس قوانين لو نظرنا إليها لوجدناها مليئة بالشوائب والأخطاء وأنها تؤدي الى فساد المجتمع وذهاب قيمته.
فمثلا لو نظرنا الى قانون العقوبات الذي كرسته الأنظمة الوضعية لوجدناه غير مجد، فإنه في كثير من الجوانب الجنائية يعطي الحق للقاضي ليقوم باتخاذ الرأي والفصل في أمر الجريمة ويقرّ العقوبة التي يختارها، وهذا في أكثر الأحيان يؤدي الى تعطيل العقوبة خصوصا إذا لاحظنا ما يقوم به جهاز المحاماة من الضغط على القاضي وإثارة مشاعره وعواطفه اتجاه المجرم ممّا يؤول الى تخفيف العقوبة أو تعطيلها بالنسبة للجاني، فضلا عن إشاعة الرشوة وتحكم المصالح الشخصية بالبت بالحكم.
وهذا العيب لا نراه في تشريع الإسلام لأنه وضع عقوبة واضحة الحد للجريمة وجعل لكل جريمة عقوبة خاصة وفي بعض الجرائم الخفيفة جعل أمرها بيد الحاكم فأما أن يأخذ حكما فيها أو أن يعفو حسب الظروف ومصلحة المجتمع، ونرى أن الشريعة الإسلامية في أغلب العقوبات لا تقر عقوبة السجن مع أنها شائعة ومطردة في غالب العقوبات في القوانين الوضعية، وإذا لاحظنا عقوبة السجن فإننا نجدها غير منتجة وغير ذات جدوى حيث تؤدي إلى إرهاق الدولة وصرف أموالها على هؤلاء المجرمين عديمي الفائدة للمجتمع، ولا يخفى على أحد أن السجون في هذه الأيام تشكل بؤرة فساد يتم فيها إفساد الصالح لو وجد.
ويؤول هذا بالضرر على المجتمع بعد أن يخرج المجرم من السجن فإن الشخص قد يسجن سنة أو سنتين ولكن بعد ذلك يخرج الى المجتمع حاملا شهادة رفيعة في فن الفساد والإفساد، ولقد أشارت بعض الدراسات الى أن أكثر الذين يخرجون من السجن يعودون لارتكاب الجرائم بعد فترة قصيرة وهكذا تعود القرة من جديد، والسجن في غالب الأحيان يؤثر على المسيرة الإعتقادية للأشخاص حيث يلجأ أكثرهم الى الإنحراف العقائدي، ويؤدي الى تردي أخلاق المساجين وانحطاطهم النفسي.
ولهذا نرى أن التشريع الإسلامي لم يقر مسألة السجن في أكثر العقوبات بل يقضي بالمسألة مباشرة وحدوده معروفة ومبينة فإن الجريمة قد تقضي بالقتل أو الجلد أو القطع أو التعزير فيجب البت فيها ولا يجوز تأخيرها باللجوء الى السجن أو غيرها، وبهذا يكون المجتمع قد تخلص من المجرمين وقد ارتدع من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم، ويكون التشريع الإسلامي قد سلم من كل الإشكالات التي ترد على مسألة السجون وما ينتج منها من شجون ومآسي تطال المجتمع في صميمه.
فعلى المسلمين أن يعودوا الى جذورهم ولا يرضوا إلا بالشريعة الإسلامية دستورا وقانونا تنظم أحوال دينهم ودنياهم وتوفر لهم القسط والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات.