كتب: بدر الشافعي
السؤال التقليدي الذي يتبادر للذهن في أعقاب مقتل معمر القذافي هو سؤال المستقبل، مستقبل ليبيا بعد القذافي حيث يشكل مقتله نهاية الرجل و سقوط نظامه بشكل نهائي.
فسقوط طرابلس العاصمة في أيدي الثوار واختباء القذافي وعائلته قبل عدة أشهر لم يكن يعني وفق العديد من المحللين انتهاء الأزمة ، لأن القذافي كان يدير وأسرته المعركة خاصة في بني وليد وسرت ، وقامت قواته بتكبيد الثوار خسائر كبيرة للسيطرة عليها . وربما كان رهانه على إمكانية استعادة حكمه من جديد والقضاء على الثوار مستغلا الأرصدة المالية والعسكرية التي بحوزته من ناحية ، ودعم بعض القبائل له كالقذاذفة من ناحية ثانية ، ووجود المرتزقة من ناحية ثالثة.
وأما نهاية حياة القذافي إلى الأبد فتعني رحيل الرأس المدبر للثورة المضادة، وبداية عهد جديد في ليبيا خصوصا مع الإعلان على بسط سيطرة قوات المجلس الوطني الليبي على مدينة سرت و بني وليد مما يمهد لإعلان تحرير ليبيا بشكل رسمي قريبا.
وبنظرة سريعة على المشهد الليبي الراهن يمكننا تحديد أهم التحديات التي تنتظرها ليبيا و المجلس الوطني الانتقالي بعد مقتل القذافي:
المرحلة الانتقالية
إن أول تحد يواجه المجلس الوطني الانتقالي يتمثل في ضرورة تطبيقه لخريطة الطريق التي أصدرها بعد سقوط طرابلس ، والتي تعهد فيها المجلس بتشكيل حكومة انتقالية خلال شهر، ثم إجراء انتخابات في خلال ثمانية أشهر يتم خلالها تشكيل برلمان مؤقت يتشكل من مائتي عضو يكون من مهمته اختيار الحكومة الجديدة.
ومع تشكيل البرلمان المؤقت ينتهي دور المجلس الوطني الانتقالي ثم يقوم أعضاء البرلمان الانتقالي بتشكيل اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع الدستور الجديد للبلاد ، وبعد ذلك يتم طرحه للاستفتاء الشعبي ، ثم يتم إجراء انتخابات جديدة بموجبه تسفر عن برلمان وحكومة دائمتين.
وبالرغم من أن معالم الخطة واضحة ، كما أن المجلس بدأ الخطوة الأولى الخاصة بتشكيل الحكومة الانتقالية ، إلا أنه من الواضح وجود عدة تحديات في مرحلة ما بعد مقتل القذافي يتعين مواجهتها حتى تخرج البلاد من مرحلة عنق الزجاجة " المرحلة الانتقالية " وصولا لبر الأمان.
تحديات أمنية
يشكل التحدي الأمني أهم التحديات الداخلية في المرحلة الراهنة ، ويأخذ أبعادا كثيرة أبرزها وجود السلاح وانتشاره بصورة كبيرة ليس بين فلول القذافي فحسب ، وإنما في أيدي القبائل ، وكذلك أفراد الشعب العاديين .ومن ثم فإن تجميع هذا السلاح يعد أمرا في غاية الصعوبة لاسيما في حالة رفض بعض القوى كالفلول تسليمه ، وكذلك الحال بالنسبة لبعض القبائل ، وقد شوهد بعض النماذج لاقتتال بعض القبائل بعد سقوط طرابلس كالاشتباكات التي شهدتها الزنتان والقرويين في الريانية.
ومن ثم قد يكون تطبيق فكرة لجان المصالحة الوطنية ونزع السلاح ودمج الميليشيات المقاتلة في المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية أمرا هاما في هذا الشأن. وقد تم تطبيقه بنجاح في بعض الدول الأفريقية التي شهدت حالات صراع مسلح مثل سيراليون وليبيريا وغيرها.
لكن يبدو أن هذه الفكرة قد لا تروق لبعض القوى السياسية خاصة الإسلامية التي ترى ضرورة معاقبة هؤلاء وإقصائهم من البنية الجديدة للنظام السياسي ، في حين يرى فريق أخر يقوده مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي بضرورة دمج هؤلاء في الدولة الجديدة ضمانا لعملية الاستقرار. ولأن عملية الانتقام قد تدفع هؤلاء للقيام بزعزعة النظام بأي طريقة.
التحدي السياسي
أما التحدي السياسي ، فيتمثل في إمكانية تمثيل جميع القوى السياسية والقبلية في البرلمان المؤقت الذي سيناط به تشكيل اللجنة التي ستضع الدستور ، وعملية المشاركة هذه ستتوقف على عدة أمور لعل من أهمها أداء الحكومة الجديدة بالتزامن مع أداء المجلس الانتقالي خلال الشهور الثمانية القادمة . إذ أن هذا الأداء سينعكس سلبا أم إيجابا على عملية المشاركة في أول عملية ديمقراطية تشهدها البلاد منذ أكثر من أربعة عقود.
وهنا لا بد أن تقوم هذه الحكومة بالتوزيع العادل للعوائد السياسية بعد القذافي الذي كانت الكفة في عهده تميل لصالح سرت في الوسط وطرابلس في الغرب على حساب باقي المناطق الأخرى لاسيما بني غازي في الشرق والتي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة, ونفس الأمر بالنسبة لعملية التوزيع السياسي لهذه العوائد على مستوى القبائل على اعتبار أن الولاء لا يزال للقبيلة على حساب الدولة التي كانت مختزلة في شخص القذافي.
التحدي الاقتصادي
ويتزامن مع التحديات الأمنية والسياسية التحدي الاقتصادي المتمثل في ضرورة توزيع عوائد النفط بصورة عادلة بعدما كان القذافي يركزها على سرت وطرابلس دون سواهما . هذا التوزيع العادل من شأنه تقليل حدة الاحتقان التي كانت سائدة في ظل القذافي بسبب سياسة التوزيع غير العادل لموارد النفط ، والتي ترتب عليها وجود أكثر من 30 % من العاطلين الشباب في بلد تزيد إيراداته النفطية وفق تقديرات البنك الدولي العام الماضي عن 66 مليار دولار سنويا
إذن انتهى الصراع بين الثوار والقذافي ، لتبدأ مرحلة البناء ،ومعروف أن عملية البناء أصعب بكثير من عملية الهدم وهو ما يحتم على الجميع بما فيهم الحكومة والمجلس الانتقالي من جهة، والشعب من جهة ثانية, وضع مصلحة البلاد وفق كل اعتبار ، والمساهمة في عبور المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ،وعدم الانشغال بالخلافات السياسية في هذه المرحلة الحرجة والحساسة.
وهنا لا بد من الاستفادة من التجربتين المصرية والتونسية لا سيما وأن الحالة الليبية تتميز عنهما بأن الثورة كانت مسلحة وليست بيضاء والشعب يملك السلاح ..وهذا هو مكمن الخطورة والصعوبة في آن واحد.